•“على واحدة ونص” البحث عن الشهرة على حساب السينما بـ “عمل” لم يرتق فنيا لأفلام المقاولات
انتشرت في فترة السبعينات وحتى بداية الثمانينات موجة من الأفلام السينمائية التي عرفت وقتها بسينما المقاولات،والتي أرجعها بعض مؤرخي السينما في مصر إلى أنها أكثر فترات صناعة السينما انحدارا ،
وكانت سينما المقاولات وقتها لها شكل محدد حيث كان منتجيها لا ينتمون إلى صناعة السينما من قريب ولا من بعيد ولكن بعضهم صعد مع موجة الانفتاح الاقتصادي التي شهدتها مصر ذاك الوقت وأعتبر السينما مجال خصب لاستثمار أمواله التي جاءت من تجارة أخري قد نجهلها ،وبدأت سينما المقاولات تستقطب فنانين الدرجة التانية وراقصي شارع الهرم، وبعض النماذج التي كانت تنظر الي العمل في السينما علي أنه ” أكل عيش وشهرة وسبوبة”، كما خلقت تلك الأعمال سوق جديدا لها بعيداً عن دور العرض السينمائية،من خلال توزيعها في نوادي الفيديو الموجودة في كل حي وشارع،والتي كان يرتادها الشباب،وكان لهذه النوعية شكل فني لم تحيد عنه أعطاها إطار بعيد عن تقييم أفلام السينما المصرية،حتي أصبح معظمها يتشابه في الأفكار والابطال والديكورات، وخلصت الي تكوين ثقافة خاصة عند المراهقين بعد ان اتخذت الأثارة ركن اساسي لها،حيث بدأ منتجي هذه النوعية يستغلون حاجة بعض راقصات الملاهي الليلية الي الشهرة التي تأتي اسرع من خلال العمل في السينما، فكان المنتج يجني أرباحاً من أجساد الراقصات وكن يربحن الشهرة المزعومة في السينما والتي لا تعود عليهن بنفع سوي رفع أسعارهن في الكباريهات، لأنهن أصبحن الي جانب شهرتهن كراقصات شارع الهرم أيضاً من بطلات “أفلام السيما”.
استقبلنا منذ أسابيع قليلة طوفان من الأخبار التي انتشرت حول فيلم جديد لم يكن عرض في السينما بعد، وبدأت موجة من الاشاعات المنظمة تنتشر حول مضمون الفيلم، لم تكن المشاهد المثيرة التي ادعي البعض ان الفيلم يقدمها هي السبب وراء حالة الجدل ثم الجذع التي لحقت بالوسط الفني، ثم السياسي، أخرها كانت الشائعة التي وصلتنا عبر احد الايميلات الصحفية تفيد بزواج الممثلة بطلة الفيلم من احدي الشخصيات التي أصبحت شخصية سياسية بعد الثورة،وقد أثار هذا الخبر وما سبقه من اخبار حفيظة البعض، واستغراب واندهاش البعض الآخر، رغم أنها لم تكن المرة الأولي التي تثار مثل تلك الشائعات التي تجمع بين اسم راقصة من شارع الهرم، وبين رجل سياسي، والصدفة هي التي أوقعت بالاثنين معاً تحت عنوان خبر واحد بعد ان تصدرت اخبار كل منهم علي حدا اهتمام الصحف والقراء في الفترة الأخيرة، فصناعة “الشائعة” من المواهب الصحفية التي يمتلكها القليل من الصحفيين “الحريفة” في مهنة الصحافة، وأرخص دعاية يتخذها أنصاف الموهوبين، أو السياسيين للترويج لهم.
الضجة الصحفية التي أثارها إعلان “فيلم” علي واحدة ونصف، وعذراً علي تشويه كلمة “فيلم” في وصف هذا المنتج الذي لا ينتمي الي مفهوم الفيلم من أي زاوية، قد نضعه حتي في مكانه لا يستحقها ان وصفناه بـ “الإعلان التجاري الرخيص لقمصان النوم” ،تلك الضجة التي هزت أعضاء مجلس إدارة نقابة الصحفيين حين وجدوا بعض المصطلحات التي اعتبروها تشوه صورتهم أمام الرأي العام،والتي لا تليق بهذه المهنة،ومن ثم بدأت بيانات الاستنكار والشجب والاشمئزاز تصدر من ناحية وبدأت الراقصة بطلة الفيلم في الظهور في كل وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة تتمسك بقيمة فيلمها وحقها في التعبير عن رأيها بكل الطرق التي أشعرتنا إننا علي موعد مع صوفيا لورين العرب التي ستقود مسيرة الارتقاء بصناعة السينما.
الفيلم لم يرتق فنياً الي مستوي أفلام المقاولات التي رغم مفهومنا السلبي عنها إلا انها كانت تحظي بإقبال جماهيري عليها، ولا يمكن وضع تصنيف له انه فيلم تجاري، فهو أقرب الي خلق تصنيف جديد لا يليق الا به،السيناريو الذي كتبته بطلة الفيلم “سما المصري” وصرحت في بعض وسائل الأعلام انه ماخوذ عن قصة حقيقية لإحدى الصحفيات التي تحولت الي العمل كراقصة، جاءت معظم جمله الحوارية ارتجاليه تحاول خلق جو من الكوميديا الذي فشلت في تقديمه بطلة الفيلم من خلال حركاتها الجسدية التي لم تثر سوي سخرية المشاهدين في صالة العرض، منذ المشهد الأول وطوال الاحداث خصوصا المشاهد التي جمعتها بالفنانة بدرية طلبة وهي ممثلة كوميدية محبوبه حاولت من خلال خبرتها انقاذ بعض المشاهد بموهبتها الكوميدية.
“حرية” تلك الفتاة جاءت من مدينة لم يذكرها السيناريو، للبحث عن عمل في القاهرة،بعد رحلة عناء طويلة في بيت خالتها التي قامت بتربيتها بعد وفاة والديها، ثم دفعتها للعمل كراقصة في الافراح الشعبية، حتي تعرضت لمحاولات اعتداء جنسي من زوج خالتها التي يري في جسدها انوثة طافحة يسعي لقطف ثمارها في كل مشهد يجمعه بها، كل رجل تقع عينه عليها يعلن عن رغبته في الحصول عليها، أما “حرية” التي تعبر عن شكوي جسدها المبالغ في انوثته تقاوم تحرش زوج خالتها بها، ولم تجد مخرج سوي الرحيل عن بيت خالتها والاقامة في دار مغتربات تديره “عانس” تعمل علي ترويج المخدرات لفتيات البيت اللاتي يعملن جميعهن في الدعارة، واللاتي يحاولن استقطاب حرية للعمل معهن لكنها ترفض وتفضل العمل كصحفية، لكنها تواجه قواد اخر في هذه المهنة يدعوها لقضاء ليلة مع رجل اعمال مقابل نشر حملته الدعائية في الجريدة، لكنها أيضا تقاوم، حتي تستسلم لأحد معجبيها صاحب الملهي الليلي وتعمل كراقصة.
الاسم الذي اعطته كاتبة الفيلم الي الشخصية “حرية” قد يحمل دلالة تحرر هذا الجسد الناري من الغابة التي يعيش فيها، والتي لم تجد أي سبيل للخلاص أو اي مخرج سوي الهرب المتكرر من مصيدة عيون الرجال التي حاول المخرج من خلال لقطاته القريبة والمتوسطة التركيز عليها من خلال انفعالين، الأول عيون الرجال التي تقابلهم حرية والتي تطفح بشهوة جسدية تترجم في نظراتهم والاداء التقليدي المبالغ فيه، والثاني هو الرغبة التي تشعر بها حرية والتمنع الذي تمارسه عليهم وتعبر عنه بحركاتها المثيرة ونظراتها الشهوانية وألفاظها الجنسية وملابسها التي انحصرت في قمصان النوم.
هناك بعض الاعمال الفنية التي نتناولها كظاهرة فنية عامة لا كعمل فني منفرد بصرف النظر عن مستواه الفني، وهذا العمل ظاهرة ستذوب سريعاً وتندثر دون أن تصل الي هدفها في تحقيق شهرة زائفه لصناعه.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق