خلال هذه الأيام المنقضية التي استمر فيها احتلال هجليج - رغم مطالبات المجتمع الدولي لحكومة الجنوب بالانسحاب فورا - كانت المنطقة تشهد عمليات عسكرية لم تتوقف ، نفذتها القوات السودانية ودارت معارك ضارية كما وصفها عبد الرحيم حسين في بيان "استرداد هجليج" .
وما إن أعلن وزير الدفاع تحرير "هجليج" ، حتى انطلقت الاحتفالات بعودتها وتوافدت المسيرات هادرة تجوب كل مدن السودان بمشاركة تلقائية من كافة مكونات الشعب السوداني نساء ورجالا شيبا وشبابا وأطفالا ..
وتوجهت مسيرة كبرى صوب القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة بالخرطوم وسط أجواء صاخبة من أبواق السيارات ودوي الطبول وأصوات تصدح بأهازيج النصر ، في تعبير عن أفراح الشعب والمواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع ملوحين بعلم السودان ومهللين مكبرين وسط زغاريد النساء ، وبمشاركة عدد من الجاليات العربية .
وأكد الرئيس السوداني عمر البشير خلال مخاطبته المسيرة بالقيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ، إن السودان سيكون عصيا أمام الأعادي ، مثمنا دور القوات السودانية في الوحدات المختلفة الذين شاركوا في هذا الانتصار ، وقال إن النصر الذي تحقق في هجليج إنما هو بفضل الله أولا ثم صلابة الشعب السوداني ثانيا ، وأكد أن استرداد هجليج كان عنوة واقتدارا وأن القوات المسلحة جاهزة علي الدوام للدفاع عن الوطن وحفظ مكتسباته .
وأكد البشير أن بترول دولة جنوب السودان لن يمر مرة أخرى بالأراضي السودانية وإن عرضت حكومة جوبا نصف إيراد النفط المنتج في الجنوب كرسم للعبور، وقال: " لن نفتح الأنبوب مرة أخرى".
وأضاف البشير: " كنا قبل اتفاقية السلام في نيفاشا نحارب من أجل البترول وكانوا يحاربون لإيقافه والآن أغلقوا آبار البترول نكاية في الشمال دون النظر لمصلحة شعبهم، الأمر الذي يؤكد أنهم بلا أخلاق". وأضاف "الآن نقول لهم لن يمر بترول الجنوب بأرض السودان الطاهرة ولو دفعتم نصفه ثمناً لرسم العبور ولن نفتح الأنبوب".
و من جهتها اعتبرت الخارجية السودانية ، انتصار القوات المسلحة في هجليج علي جيش حكومة جنوب السودان هو انتصار للدبلوماسية السودانية وفرصة مهمة لفضح ارتكاب دولة الجنوب لأخطر الانتهاكات لميثاق الأمم المتحدة وهو العدوان .
وقال السفير رحمة الله محمد عثمان وكيل وزارة الخارجية في تصريح بعد إعلان تحرير هجليج "سنواصل معركتنا الدبلوماسية وإتيان حقيقة أن دولة الجنوب مهددة للسلم والأمن الدوليين" ، وسخر من تصريحات وزير الإعلام بدولة جنوب السودان عن أن قوات بلاده قد بدأت تنسحب من هجليج ، متسائلا : ما الذي جعلها تتراجع بعد أن كانت تتمسك بشروطها والتي وضعها للانسحاب من هجليج وما الذي تحقق حتي تستجيب" .
أكد مساعد رئيس الجمهورية العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مواصلة القوات المسلحة لتحرير كافة أجزاء السودان وعدم التفريط في أي شبر من الوطن، وقدم المهدي التهنئة للقوات المسلحة والقوات النظامية والمجاهدين الذين تمكنوا من استعادة هجليج.
وقال لدى مخاطبته الحشد الجماهيري مساء أمس في الساحة الخضراء إن ما أقدمت عليه دولة الجنوب بالهجوم على هجليج يتطلب من شعب الجنوب محاسبتها فيه جراء الزج بأبناء الجنوب وقتلهم في قضية لم تكن قضيتهم، ودعا المهدي لعدم التعرض لأي من الجنوبيين بالسودان وقال " سنعاملهم بأخلاقنا " .
من جهتها أكدت وزيرة الدولة بوزارة الإعلام سناء حمد أن القوات المسلحة سيطرت على منطقة هجليج بالكامل وعازمة على مطاردة فلول المتمردين والارتزاق إلى خارج المنطقة ، وأوضحت سناء حمد في تصريح صحفي أمس أن دولة الجنوب بلد مرهق اقتصاديا ويواجه كثيرا من التحديات وأن الحركة الشعبية زجت به في حرب ودفعت الثمن غاليا مؤكدة أن العاملين في مواقع النفط تمكنوا من السيطرة على بعض الحرائق وجاري العمل لصيانة وتأمين منشآت النفط.
أما السفير بدر الدين عبد الله أحمد مدير إدارة جنوب السودان بالخارجية فقال إن دولة جنوب السودان آخر دولة تنضم للأمم المتحدة وتعتبر من أكثر الدول انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة لارتكابها جريمة العدوان وهي الأخطر في العرف الدولي مما بنبيء بمستقبل فاشل لهذه الدولة الوليدة .
ولم تقتصر التهنئة بالنصر على الجانب الرسمي ، وإنما امتدت لتشمل كل أطياف الشعب السوداني ، ففي واقع الأمر ظهر جليا خلال فترة الاحتلال أن "هجليج" وحدت الشعب السوداني قيادة وشعبا ، وأحيت في السودانيين سنة الجهاد ودفعتهم لحمل البندقية أفرادا وجماعات .
وعلى مستوى القيادة فقد سبق "يوم التحرير" انتقال مجلس الوزراء السوداني من الخرطوم لعقد جلسته في مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان برئاسة الرئيس عمر البشير الذي آثر أن يكون في الخطوط الأمامية عند أقرب نقطة من "هجليج" .
وما هي إلا ساعات بعد هذا الاجتماع حتى أعلن وزير الدفاع "بيان النصر" حيث أدت قواته صلاة الجمعة وصلاة الشكر داخل مدينة ومنشآت هجليج ، بعد أن خاضت معارك ضارية طوال الأسبوع الماضي .
ولكن السؤال هل منطقة هجليج خلافية ؟ .. الجانب السوداني يؤكد أن الحدود في منطقة هجليج عند دخول المستعمر لم تكن في وضعها الحالي ، بل كانت جنوبا عند بحر العرب حتى عام 1930 .
وصدر في عام 1931 قرار من "الحاكم العام" بنقل المنطقة التي تضم "ديكا رونج" وآخرين من ولاية جبال النوبة إلى ولاية أعالي النيل ،وحسب التقارير المنشورة ، فقد نص هذا القرار علي تعديل الحدود بناء على هذا النقل وقدم هذا التعديل وصفا تفصيليا دقيقا وظهر هذا التعديل في الخرائط التي صدرت بعد القرار بجميع مقاييسها بصورة واضحة ولم يحدث بعد هذا التعديل أي تغيير للحدود حتى عام 1956 بل حتى الآن .
كما فحصت لجنة ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه والتي أنشئت في عام 2005 واستمر عملها حتى عام 2011 ، كل الوثائق والمستندات والخرائط المتعلقة بخط الحدود قبل عام 1956 وتوصلت اللجنة بعد الدراسة المتأنية والشد والجذب بين الأطراف إلى أن هناك أربع مناطق فقط هي المختلف حولها وليس من بينها "هجليج" .
وأعدت اللجنة في ذاك الحين تقريرا بذلك ووقع عليه جميع أعضائها وتم رفعه لرئاسة الجمهورية التي وافقت عليه واعتمدت النقاط الخلافية الأربع (كاكا المقينص - دبة الفخار - جنوب جودة - حفرة النحاس ) ووجهت اللجنة بالبدء الفوري في عملية ترسيم الحدود على الأرض .
ونتيجة لاحتجاج الطرف الجنوبي على التقرير والذي وقعت عليه اللجنة بكامل عضويتها ، ناقشت رئاسة الجمهورية آنذاك بجانب أعضاء اللجنة السياسية من الطرفين التقرير مرة أخرى .
وأضاف الطرف الجنوبي بعد التداول منطقة خلافية خامسة هي منطقة "الرزيقات" ( 14 ميل جنوب بحر العرب) ولم يتطرقوا إلى منطقة هجليج كمنطقة خلافية . ومن ثم صدر توجيه للجنة الفنية لترسيم الحدود بالبدء فورا في ترسيم الحدود المتفق عليها بعد إضافة النقطة الخامسة .
ويتضح مما سبق أن المناطق الحدودية المختلف عليها بين السودان والجنوب ، لم تكن منطقة هجليج من بينها ولم تكن مصدر خلاف لا داخل اللجنة الفنية ولا عند رئاسة الجمهورية بل لم تناقش اللجنة الفنية موضوع هجليج في تداولاتها .
وحتى محكمة لاهاي رفضت تبعية هجليج لقبائل "دينكا نجوك" .. ولما كان الطرف الجنوبي يعلم تماما أن منطقة هجليج حسب حدود الأول من يناير 1956 تتبع للشمال فقد قاموا بإضافتها كمنطقة تتبع لدينكا نجوك في تقرير الخبراء . إلا أن محكمة لاهاي رفضت تقرير الخبراء ، ورأت أنهم تجاوزوا مهمتهم وهى توضيح المنطقة التي حولت في عام 1905 وليس تحديد الحدود بين القبائل إضافة إلى تجاوز اللوائح الاجرائية لمفوضية تحديد حدود "أبيي" .
وبناء على ذلك حصرت المحكمة القضية المطروحة أمامها في المنطقة المحددة حاليا والمعروفة بـ "أبيي" واعتبرت أن الحدود هي حدود الأول من يناير 1956 ، وتمتد جنوب بحر العرب بحوالي 45 كلم ، إلي أن يجري الاستفتاء الذي يختار بموجبه مواطنو أبيي الانفصال أو التوصل إلى اتفاق سياسي ، "وفي حالة عدم حدوث ذلك يظل الوضع كما هو عليه في حدود السودان 1 /1/ 1956 .
وكالة الأنباء السودانية بثت تقريرا حول الوثائق والخرائط الصادرة بعد عام 1930 والتي تؤكد تبعية هجليج للشمال بلا أدنى خلاف ، وأشار التقرير الى أنه لا توجد حتى وثيقة واحدة أو خريطة واحدة في أي عصر قديما أو حديثا تقول بتبعية المنطقة للجنوب .
ونوه التقرير إلى أنه تم توصيف خط الحدود بين شمال السودان وجنوبه بالوثائق وبعضه بالخرائط كما أن هناك قسما تم توصيفه بالخرائط والوثائق معا ، وأن هجليج تعتبر من المناطق الرئيسية التي وصفت بالخرائط والوثائق معا .
ومن هذه الوثائق والخرائط التي تناولها تقرير الوكالة ، خريطة "غابة العرب" لعام 1914 والتي تظهر فيها الحدود جنوب هجليج عند بحر العرب ، وثانية لعام 1929 والتي تظهر فيها الحدود جنوب هجليج وتصل بحر العرب ، وكذلك خريطة "غابة العرب" 1931 ، 1936 تظهر فيها الحدود الحالية جنوب هجليج حوالي 30 كيلومترا (بعد التعديل الذي تم في عام 1930) إضافة إلى خرائط مختلفة مقاييس الرسم للسودان وكردفان منها خريطة كردفان 1910 الحدود عند بحر العرب وخريطة كردفان 1939
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق