كشف النقاب عن أخطر الأجهزة داخل جماعة الإخوان المسلمين .. وهو جهاز مخابرات الجماعة واسم أول قائد ورئيس لهذا الجهاز هو الدكتور محمود عساف الذي حاولت الجماعة طوال تاريخها الطويل أن يظل الرجل خارج بؤرة الأضواء بعيداًعن المشاهد السياسية والمواجهات لما يتمتع به عساف من عبقرية فذة دفعت الشيخ حسن البنا لاختياره لأخطر مهمة في تاريخ الجماعة وهي رئاسة جهاز مخابرات الإخوان وهو الجهاز الأرفع والأقوي من التنظيم الخاص للجماعة.
وهنا نكشف المستور ونزيح الستار لأول مرة عن شخصية الدكتور محمود عساف والمناصب التي شغلها قبل وأثناء رئاسته لجهاز مخابرات الإخوان وكيف نجح عساف في اختراق أجهزة سيادية ومنشآت حيوية داخل الدولة دون أن ينجح أحد في كشف هويته حتي بعد رحيل «عساف» بعدة سنوات.
ولد الدكتور محمود عساف في 12 يناير عام 1921 بمحافظة الشرقية حصل علي بكالوريوس التجارة قسم إدارة أعمال عام 1943 ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال عام 1953 ودبلوم عال في الإدارة والتنظيم في نفس العام ودبلوم عال في البورصات عام 1954 ودبلوم في التسويق عام 1955 كما حصل الدكتور عساف علي درجة الدكتوراة في فلسفة إدارة الأعمال عام 1963 ودبلوم اتحاد الإعلام بلندن عام 1968.
عمل عساف مديراً لشركة الإعلانات العربية في الفترة من عامي «1945-1950» ثم مديراً للمبيعات بشركة مصر للمستحضرات الطبية في الفترة من «1950-1954» ثم مديراً عاماً لشركة النيل للإعلان في الفترة من «1954-1955» ومديراً لشركة الإعلانات المصرية من «1955- 1957».
كما عمل عساف مديراً عاماً للشركة العربية للإعلان والنشر ببيروت ودمشق وبغداد والكويت «1957-1958» ثم مديراً لشركة النصر للتصدير والاستيراد منذ عام 1958 حتي عام 1970 وهي إحدي الشركات الاستراتيجية والأماكن الحيوية التي نجح عساف في اختراقها باعتبار أن هذه الشركات هي إحدي شركات المخابرات العامة المصرية وهي من أفضل وأهم الشركات التي أسندت لها أعمال مهمة واستراتيجية خاصة في القارة الإفريقية ودول منابع حوض النيل.
كما عمل أستاذاً لإدارة الأعمال بجامعة عين شمس فرع الزقازيق وعميداً لكلية التجارة بالمنصورة وتم انتدابه للتدريس بقسم الصحافة كلية الآداب ومعهد التعاون والمعهد العالي للسينما.
ولم تقتصر اختراقات عساف وعبقريته علي العمل بالمؤسسات الحيوية أو التدريس في الجامعات الكبري ولكنه كان عضواً أيضاً بأكاديمية الإعلان بلندن وعضواً بالمجلس الأعلي للإذاعة والتليفزيون وعضواً بمجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب والمجلس الأعلي للجامعات وعضواً بالجمعية العمومية ممثلاً للحكومة في شركات الغزل والنسيج صاحبة الرقم القياسي في عدد العمالة في ذلك الحين.
وكل هذه المناصب والاختراقات والقدرة علي تنفيذ المهام الموكلة إليه دون أن ينكشف أمره لأكثر من نصف قرن تؤكد أن حسن البنا كان يُحسن اختيار رجاله.
أيضاً هذه المناصب المتفردة والمتنوعة رأينا أنه من الضرورة ذكرها تفصيلاً وبالتواريخ للتأكيد علي أننا أمام جهاز مخابرات فولاذي يرأسه رجل فولاذي صاحب عقلية متفردة.
وسنحاول في السطور التالية كشف النقاب عن عدد من المهام الخطرة والاستراتيجية التي أشرف عليها عساف ونقطة الانطلاق نبدأها من لقاءتاريخي عُقد في سرية تامة حيث أرسلت السفارة الأمريكية عن طريق السكرتير الأول لها في ذلك الحين وهو فيليب أيرلاند مبعوثاً لحسن البنا لتحديد موعد مع رأس الجماعة بدار الإخوان وفور تلقي البنا للرسالة وافق علي اللقاء بشرط أن يكون بعيداً عن مقر الجماعة حتي لا يتم رصده من جهاز القلم السياسي فتم الاستقرار علي أن يكون اللقاءفي منزل «فيليب أيرلاند» شخصياً.
ولأن المهمة صعبة وخطيرة ومن المؤكد أنها ستشهد عقد صفقات من العيار الثقيل فكان حتماً علي المرشد العام أن يصطحب معه رجل المهام الصعبة «عساف» قائد جهاز مخابراته.
ذهب البنا لمقابلة أيرلاند برفقة عساف ومحمد الحلوجي وهذا الرجل كان يعمل مترجماً فورياً لـ«البنا» وتم اللقاء في إحدي العمارات بالزمالك، وطلب أيرلاند صراحة من البنا ورجاله التعاون المشترك بين الجماعة والأمريكان للقضاء علي الشيوعية لأن الشيوعيين باتوا هدفاً مشتركاً للجماعة والأمريكان.. والغريب أن البنا وعساف اكتشفا أن أيرلاند يجيد اللغة العربية وقال لهما أعلم جيداً موقفكم من الشيوعية وأنها إلحاد يجب محاربة خطره الداهم وقال إنه اطلع علي جريدة «الإخوان المسلمين» اليومية التي أكدت أن الشيوعية تحرض علي الثورة المسلحة واعتناقها مذاهب هدامة إلي جانب نشر الإباحية التي تستهوي كثيراً من الشباب.
وقال أيرلاند لـ«البنا»: قلتم إن الحل لتلافي أخطار الفكر الشيوعي المنحرف هو الإصلاح الاقتصادي وتحديد الملكية الزراعية والعودة إلي تعاليم الإسلام وأن الأساليب البوليسية لن تجدي في محاربة الشيوعيين بل ستزيدهم إصراراً وتكسبهم تعاطفاً شعبياً عارماً.
أنهي أيرلاند عرضه فرد عليه البنا قائلاً بأن الشيوعية التي بدأت تنتشر في بلادنا العربية تعتبر خطراً علي شعوب المنطقة شأنها في ذلك شأن الصهيونية بل هي أخطر علي المدي القريب ولدينا معلومات سرية كثيرة عن هذه التنظيمات في مصر.
فرد أيرلاند: لقد طلبت مقابلتكم حيث خطرت لي فكرة وهي لماذا لا يتم التعاون بيننا لمحاربة هذا العدو المشترك؟!.. أنتم برجالكم ومعلوماتكم ونحن بأموالنا!!
فقال البنا: فكرة التعاون جيدة غير أن الأموال لا محل لها لأننا ندافع عن عقيدة ولا نتقاضي أجراً علي ذلك ولا مانع لدينا في مساعدتكم بالمعلومات المتوافرة لدينا وحبذا لو فكرتم في إنشاء مكتب لمحاربة الشيوعية ووقتها يمكن أن نعيركم بعض رجالنا المتخصصين في هذا الشأن علي أن يكون هذا الأمر بعيداً عنا بصفة رسمية ويمكنكم أن تتصلوا بمحمود عساف فهو المتخصص في ذلك.
ومع مرور الوقت اشتد عداء الشيوعيين لجماعة الإخوان المسلمين وشنوا هجوماً شديداً في نشراتهم الدورية عليهم الأمر الذي دفع محمود عساف في عام 1946 لزرع أحد المتعاطفين مع فكر الإخوان وهو «أستاذ جامعي» لإمداده بجميع المعلومات عنهم وكان يتقاضي مقابل ذلك خمسة جنيهات شهرياً وتركزت المعلومات في هذا الشأن علي جانبين:
الأول: ما يخص السهرات التي كانت تتم في فيللا لليساريين بشارع قصر العيني ويجتمع فيها الأولاد والبنات الداعون للتحرر ونبذ فكر جماعة الإخوان المسلمين.
الثاني: يخص الجزء المخابراتي للإخوان حول دعم الشيوعيين في مصر والجهات التي يتلقون منها الأموال وأفكارهم المختلفة والخطط التي يتدارسونها في الاجتماعات المغلقة.
ثم يقوم عساف بإعداد ملف كامل بهذه المعلومات ويخطر بها مدير الأمن العام فوكيل الداخلية ويدعي «أحمد مرتضي المراغي» آنذاك.. وحاول المراغي في ذلك الوقت أن يعرف مصدر عساف في تلك المعلومات لكنه رفض رفضاً قاطعاً.
ولعل من أخطر الملفات أو المهام التي قام بها عساف أيضاً هي تقديم تقارير للمرشد تكشف عن هوية جواسيس القلم السياسي في الجماعة وكان حسن البنا إذا اكتشف بعضاً ممن يعملون مع القلم السياسي «المباحث العامة حالياً» يبعث إليهم تباعاً ويجلس مع كل منهم علي إنفراد ثم يقول له: عرفت أنك تعمل لحساب القلم السياسي.. فيرد عليه الآخر منكراً بشدة فيقول البنا له: أنا أعلم ذلك يقينا ولم أحضرك هنا للتحقيق معك، بل لأحل لك المال الذي تأخذه من الحكومة فأنت تتجسس علينا وهذا حرام وتتقاضي أجراً نظير تجسسك فهذا الأجر حرام وأنت لا تعلم شيئاً ذا قيمة من أخبار الإخوان فتؤلف لرئاستك في القلم السياسي أية أخبار من عندك وهذا كذب وهو حرام.. أريد أن أبعدك عن هذا الحرام كله، وأسمح لك بأن تتقاضي ما شئت من أجر من الحكومة بشرط أن تخبرهم الأخبار الصحيحة التي نريد أن نوصلها إليهم.. اذهب إلي محمود عساف في شركة الإعلانات العربية وهو مديرها وسيعطيك الأخبار الصحيحة مرتين كل أسبوع.
وأبلغ البنا عساف بهذا الاتفاق وكان يبعث له كل يوم بأهم الأخبار في ظرف مغلق أو يبلغها له في آخر الليل حين يصحبه إلي داره، وكان عساف يعيد كتابة وإعداد هذه الأخبار من جديد علي الآلة الكاتبة كل منها يحتوي علي خمسة أو ستة أخبار، بحيث يكون هناك خبر مكرر عند كل اثنين وذلك لكي يصادق كل منهما علي تقرير الآخر المرفوع للقلم السياسي.
كانت تلك الأخبار تتعلق غالباً بالأشخاص المهمين الذين يزورون البنا وما يدور معهم من مناقشات وكذا أخبار أقسام المركز العام للإخوان كالجوالة وقسم الطلاب وقسم العمال مما كان يهتم به رجال القلم السياسي وكان عساف يحرص علي أن ينال هؤلاء الجواسيس ثقة رجال القلم السياسي.
عدد هؤلاء الجواسيس كان سبعة منهم ثلاثة يعملون موظفين بالمركز العام لجماعة الإخوان المسلمين أحدهم كان بوابا وعامة الإخوان لا يعرفون أنه موظف فكانوا يقولون: إن أبوخضرة رجل منقطع للدعوة يجلس دائماً علي الأريكة الخشبية علي باب المركز العام وكان الثاني ملتحياً ووجهه يشبه وجه النمر وعيناه ضيقتان تلمعان اسمه «عشماوي».. أما الثالث فكان اسمه توفيق موظف بمكتب حسن البنا يحتفظ بصور الخطابات ويعيد البريد للتصدير ويطلع علي جميع مكاتبات الإخوان الصادرة من وإلي مكتب المرشد العام.
وذات مرة قال عساف لـ«البنا»: لماذا لا نتخلص من هؤلاء ونريح أنفسنا؟!.. فقال البنا: يا عبيط هؤلاء نعرفهم وإذا تخلصنا منهم سيرسلون إلينا غيرهم ممن لا نعرفه وقد يؤدي ذلك إلي اختراق الملفات السرية للجماعة والاطلاع علي جميع الأخبار أولاً بأول.
وبعد ذلك هاجم الإخوان اليهود وبخاصة الذين يتبرعون بأرباحهم التي يحصلون عليها من مصر لصالح العصابات الصهيونية أثناء حرب فلسطين، الأمر الذي دفع مسيو «حاييم» رئيس مجلس إدارة شركة الإعلانات الشرقية -آنذاك- لأن يقول لمحمود عساف الذي حل مكانه عام 1955: أنت تعرف أن العملاء الكبار للإعلانات هم اليهود «شيكوريل - أريكو عمر أفندي - داود عدس - بنزايون» غير المحلات الصغيرة الكثيرة وقد طلبوا مني عدم نشر أي إعلان في مجلتك إن لم تتوقف عن مهاجمة اليهود.
فعرض عساف ما دار بينه وبين مسيو «حاييم» فقال له: نحن أصحاب رسالة والصحافة من وسائلنا وليست غاية لنا لا نستمع إليه وليكن ما يكون.. ولم تمض 4 أشهر بعد ذلك وأغلقت المجلة لكثرة خسائرها لكن حسن البنا أسند مهمة تأسيس مجلة أخري لمحمود عساف وقد صدر العدد الأول من مجلة «الكشكول الجديد» يوم الاثنين 8 سبتمبر 1947 في حجم المجلة «ربع الجريدة».
واستمر هذا الشكل إلي يوم الاثنين 22 ديسمبر 1947 ثم أمر البنا محمود عساف بتغيير هذا الشكل إلي حجم التابلويد «نصف الجريدة» لتخفيض نفقات الطباعة بالألوان واستمر الصدور إلي العدد 59 الصادر في 27 نوفمبر 1948 أي قبل حل جماعة الإخوان المسلمين بأيام قلائل.
وكانت الهيئة التحريرية لجريدة «الكشكول الجديد» تتكون من محمود عساف «صاحب الامتياز» وعبدالله حبيب صاحب باب «مجلس نوابهم في المنام» ومحمد مصطفي حمام صاحب باب «البلاء» وحسين ثابت محرر باب «نحاسيات» ومدير الإدارة ومحمود يوسف المسئول عن باب «شموع تحترق» وطوغان «رسام الكاريكاتير» وعبدالله نوار وكان يتولي «سكرتارية التحرير» ومحمد علي أبوطالب «رئيس التحرير المسئول» وأخيراً أمين إسماعيل «مدير التحرير والسياسة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق