"أعتبر نفسي القاسم المشترك بين الجميع، فالإسلاميون والقبليون والعلمانيون كلهم شركاؤنا في حماية مصالح الوطن".. تلك هي الرؤية التوافقية التي طرحها حسن شيخ محمود، الرئيس المنتخب الجديد للصومال، خلال حوار صحفي نادر، والتي ربما تفسّر لماذا فاز المرشح الذي كان يوصف بأنه صاحب الفرص الأضعف بين المرشحين.
شيخ محمود، الذي ينتمي إلى قبيلة "أبغال الهوية" وهي إحدى القبائل الرئيسية والمهمة في الصومال، لم يذكر خلال الحوار مع موقع "الشاهد" الإلكتروني الصومالي اسم قبيلته، وقال عندما سُئل عن انتمائه:"أنا مواطن صومالي.. أنحدر بلا شك من قبيلة معينة، لكني أرفض السياسة القبلية، وكذلك الحركية؛ لأن كليهما يعملان لصالح القبيلة أو الحركة على حساب الوطن".
ويرأس شيخ محمود حزب السلام والتنمية الذي أسسه في عام 2011، بعد انفصاله عن حركة الإصلاح الصومالية، وهي حركة إسلامية انبثقت من فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين، وينطلق حزبه من نزعة توافقية تهدف إلى استيعاب الجميع، واعتماد مبدأ المفاوضات كحل للأزمات والصراعات.
ويقول الرئيس الصومالي الجديد في حوار مع إحدى وسائل الإعلام الصومالية: "مبدأي هو تسوية الأزمات والصراعات بواسطة المفاوضات، سواء كانت الأزمات داخلية أو خارجية، والتعامل مع العالم وفق هذه الرؤية".
ولا تظهر رؤية شيخ محمود التوافقية فقط في الشأن الداخلي، فهو – أيضا- صاحب توجّه لا يميل إلى استعداء الغرب، بل إنه في بعض الأحيان يعتبره شريكًا في الحل.
فعندما سُئل عن رؤيته للتحديات الخارجية التي تواجه دولته، قال: "ليست هناك دولة انهارت بسبب الحرب الأهلية ثم خرجت إلى بر الأمان من تلقاء نفسها، بل كان هناك دعم ومساعدات دولية لإخراجها من النفق المظلم، لذلك فإن الصومال بحاجة إلى مساعدة العالم الفنية والثقافية لإعادة بناء ما تم تدميره من جديد".
ودائما ما يشيد شيخ محمود بالدور التركي، كنموذج لما يجب أن تقوم به الدول الأخرى التي ترغب في مساعدة الصومال.
وفي هذا الصدد يقول إن: "تركيا غيّرت كثيرًا بمجيئها للصومال من النظرة السلبية التي كانت سائدة عن الصومال، فقد نظرت إلى هذا البلد بنظارة غير النظارة التي كان ينظر إليها العالم بواسطتها، فدفعت دولا لم يخطر في بالها أبدًا مساعدة الصومال إلى فعل ذلك".
واشتهر عن شيخ محمود معارضته الشديدة لسياسات حركة الشباب المجاهدين، والتي يرى بها انحرافًا عن صحيح الدين، وهو ما يحرص دائمًا على تأكيده عند الحديث عن موقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية.
ويقول الرئيس الجديد: "الأمة الصومالية أمة مسلمة 100% منذ قرون، والشريعة من نمط حياة هذا المجتمع، فإذا حدثت أخطاء في أمر الدين فهي أخطاء مرتبطة بالمعرفة والثقافة، وليست أمورًا مرتبطة بأصالة العقيدة".
هذه التوجهات التوافقية التي تميل إلى حل المشاكل بالحوار وعدم استعداء الآخر وتطبيق الشريعة بمفهومها الصحيح، ربما تجد لها تفسيرًا في السيرة الذاتية لشيخ محمود ابن قرية "جللقسي" في مدينة "بلدوين" بإقليم "هيران" في وسط الصومال والبالغ من العمر 56 عامًا.
شيخ محمود، الذي يتكلم اللغتين الصومالية والإنجليزية، انفتح على الآخر سواء خلال السنوات الثماني التي قضاها في الهند للحصول على درجة الماجستير من جامعة بوبال عام 1988، بعد تخرّجه في الجامعة الوطنية الصومالية عام 1981، أو من خلال عمله منذ عام 1993 في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كمسؤول تربوي في جنوب ووسط الصومال، إلى أن غادرت قوات الأمم المتحدة الصومال في 1995، ليشارك بعدها عام 1999 في تأسيس المعهد الصومالي للإدارة والتنمية الإدارية في مقديشو(simad)، الذي تطور وتحوّل إلى جامعة "سيماد"، وشغل منصب رئاسة المعهد حتى العام 2010.
والمفارقة أنه رغم هذه السيرة الذاتية الحافلة فإنه لم يكن يذكر بين المحللين كأحد المرشحين بقوة للفوز بالمنصب، غير أنه كان يثق في الفوز، وقال في حوار صحفي أجري معه: "أعتمد في سباق الانتخابات بعد الله سبحانه وتعالي على سمعتي في المجتمع، وليس على الفساد والرشوة والسلاح".
وأعلنت اللجنة الانتخابية المشرفة على انتخابات الرئاسة الصومالية، مساء الإثنين، رسميًا فوز حسن شيخ محمود برئاسة الصومال خلال السنوات الأربع القادمة، وقالت إن شيخ محمود فاز بمنصبه بفارق كبير في الأصوات حيث حصل على 190 صوتًا مقابل 78 صوتًا لمنافسه في الجولة الأخيرة الرئيس المنتهية ولايته شيخ شريف شيخ أحمد.
وتنتظر الرئيس الجديد تحديات كبيرة في بلد لا توجد به حكومة مركزية تسيطر على معظم أنحائه منذ تفجّر الحرب الأهلية به عام 1991.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق