«التسرع فى تمرير مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذى قدمه بعض النواب يعد أمرا مريبا يدعو إلى القلق. وحين تم ذلك فى غياب المجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمات الأهلية المعنية بالموضوع، فإن ذلك يضاعف من الشك والحيرة. ذلك أن ما جرى يدعونا إلى التساؤل عن السر وراء مناقشة مشروع النواب بشكل مفاجئ والانتهاء منه فجأة، حدث ذلك فى حين كان هناك مشروع قانون أعدته وزارة التضامن وحظى بحوار مجتمعى شارك فيه المجلس القومى لحقوق الإنسان واتحاد الجمعيات الأهلية.
وقد كان مفهوما أن يقدم النواب تعديلاتهم أو مقترحاتهم أثناء مناقشة ذلك المشروع. لكن من غير المفهوم أن يتم تجاهله وأن يستبدل بمشروع آخر قام رئيس لجنة التضامن بجمع توقيعات بعض النواب عليه، وطرح باعتباره المشروع الأساسى وتم تبرير ذلك بحجة أن الوزارة تأخرت فى تقديم مشروعها للبرلمان».
«لا مفر من الاعتراف بأن مجلس النواب أصبح مجلس تسيير أعمال لا يتمتع بالاستقلال الكافى. وذلك يسرى على الجميع. سواء كانوا نوابا معارضين أو موالين أو مستقلين. فالمجلس يخضع لنفوذ أغلبية غير حقيقية ليس لها برنامج واضح أو هدف محدد. ومن الوارد أن تكون وراءها جهات فى الدولة، علما بأن البرلمان يعكس الانقسام الحاصل فى المجتمع المصرى. وهناك نواب خاضعون لأجهزة بعينها. وهؤلاء يشكلون أخطر فئة على البرلمان والشعب. ذلك أن لهم مصالحهم وحساباتهم الخاصة. وأغلبهم يتلقون التعليمات من أجهزة معينة فى الدولة».
ما سبق ــ كله ــ ليس كلامى. ولكن الجزء الأول منه تصريح نشرته جريدة «الشروق» يوم ١٦ نوفمبر، للأستاذ عبدالغفار شكر نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان. أما الجزء الثانى فيتضمن فقرات وردت فى حوار مع الأستاذ أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين الذى أعلن استقالته من مجلس النواب الذى اعتبره «أعجز من أن يؤسس لدولة حديثة وأضعف من أن يحقق الآمال المعقودة عليه»، على حد تعبيره. (جريدة «الشروق» نشرت الحوار فى نفس اليوم ١٦/١١).
الأستاذ شكر عبر عن صدمته إزاء إقرار البرلمان للمشروع الجديد الذى من شأنه إعلان الحرب على منظمات العمل الأهلى باختلاف أنشطتها، ولأنه رجل مهذب وعضو فى مجلس شكلته الدولة، فقد اكتفى بالتعبير عن «قلقه وارتيابه» ودعا إلى تفسير ما جرى رغم أنه يعرف الإجابة، أما كلام الأستاذ أكمل قرطام فإنه فسر ما جرى عن غير قصد، حين اعتبر أن أجهزة الدولة هى التى تحرك أغلب النواب، كما ذكر العنوان الذى أبرزته الجريدة للحوار.
أخطر ما فى المشروع أنه استهدف تأميم العمل الأهلى بعد تأميم السياسة. الأمر الذى يؤدى إلى تقوية السلطة وإضعاف المجتمع. ليس ذلك فحسب وإنما أنه يضم نشطاء الجمعيات الأهلية إلى قائمة «أهل الشر» بعدما صاروا فى عداد الأعداء الذين يتعين قمعهم ووضع الخطط السرية للقضاء عليهم بالقانون. ذلك أن شروط تسجيل الجمعيات الأهلية أصبحت فضفاضة بحيث تجعل الكلمة الأخيرة فى عملية التسجيل تصبح بيد الأجهزة الأمنية وهذه الأجهزة تتحكم فى قرارات الجمعيات وترشيحات مجلس الإدارة. وإذا أجرت تلك الجمعيات استطلاع رأى أو بحوثا ميدانية دون موافقة مسبقة، فإن ذلك بعد جريمة عقوبتها الحبس ٥ سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه. أما إذا غيرت الجمعية مقرها دون إذن فإن تلك جنحة عقوبتها الحبس مدة سنة.
لقد قال أحد النواب المستقلين إن المشروع الذى وافقت عليه أغلبية «نواب الشعب» أشد قمعا من مشروع الحكومة. وهو كلام صحيح لكنه ليس دقيقا، لأن الذى أعد المشروع ليس نواب الشعب، ولكن مضمونه دال على أن الجهات الخارجية التى أشار إليها الأستاذ أكمل قرطام قامت باللازم وقدمته إلى رجالها داخل البرلمان، الذين قاموا بالواجب، فكان ما كان. لذلك فالأمر لا يدعو للاستغراب لأن مثل ذلك القانون لا يمرره سوى برلمان بتلك المواصفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق