في هذا المقال يكتب علاء الأسواني عن مذبحة الأقباط في الكنيسة البطرسية
سوف يتكلم الجميع. سيعبرون عن صدمتهم وتعازيهم وتضامنهم مع الضحايا وسيؤكدون أن الإرهاب خسيس وجبان. لكننا بعد انتهاء العزاء سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام المذبحة البشعة.. أكثر من عشرين شهيدا وعشرات المصابين معظمهم من النساء والأطفال تم تفجيرهم أثناء تأديتهم للصلاة في الكنيسة البطرسية في وسط القاهرة. جريمة همجية تنافي أبسط قواعد الإنسانية والشرف. إذا أردنا أن نهزم الإرهاب علينا أن نواجه هذه الحقائق:
أولا: بحثا عن الإسلام الصحيح:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد كل عملية إرهابية تؤدى إلى قتل الأبرياء يخرج علماء الدين ليؤكدوا أن الإسلام بريء من الإرهاب. الإسلام دين محبة وسلام لكن هناك قراءة للإسلام تبيح القتل وتشجع على العنف وكراهية غير المسلمين. ستجد هذه القراءة مثلا في "حكم معاملة اليهود والنصارى" على موقع الشيخ ابن باز أو حكم "قتل نساء الكفار وأطفالهم" على موقع الشيخ ابن عثيمين وهذان الشيخان من أئمة الفكر الوهابي. إن الفقه الإسلامي يحتاج إلى إعادة نظر شاملة حتى نعيد فهم النصوص الدينية في ضوء العصر وننقيها من القراءة المنحرفة. لايمكن أن نقضي على الإرهاب إلا إذا قضينا على الأفكار التي يستند إليها.
ثانيا: التمجيد يمنع التقييم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ أن تولى السيسي رئاسة الدولة تمت السيطرة الكاملة على الإعلام المصري بحيث لم يعد يبث إلا ما توافق عليه أجهزة الأمن. روج الإعلام للتمجيد المطلق للجيش والشرطة واعتبرهما الضمانة الوحيدة التي تحمى مصر من مصير سوريا والعراق. المصريون جميعا فخورون بالشرطة وهم لاشك يقدرون تضحيات جنود الشرطة الذين يقاتلون ويموتون دفاعا عن الوطن لكن احترام جهاز الشرطة لا يجب أن يمنعنا من ذكر أخطاء رجال الشرطة وأحيانا جرائمهم. إن هذه المذبحة البشعة تبرهن على تقصير أمني فادح. كيف تمكنت سيدة تحمل حقيبة متفجرات من دخول واحدة من أهم كنائس مصر ..؟
ألا توجد بوابات لكشف المفرقعات..؟!. ألا يمكن لرجال الأمن أن يفتشوا كل من يدخل إلى الكنيسة كما يفعلون في مباريات كرة القدم؟.. إن كشف أوجه التقصير في الشرطة لا يعنى أننا لا نحترمها أو أننا نريد إسقاطها كما يردد إعلام السيسي بل إن كل من يعتز بالشرطة ويريد المحافظة عليها يحب أن يواجهها بأخطائها.
ثالثا: تحالف 30 يونيو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما أن أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي الإعلان الدستوري حتى تبين للمصريين جميعا أن الإخوان ينفذون خطتهم في القضاء على الديمقراطية والانفراد بالسلطة. في اليوم التالي خرجت مظاهرة من مليون شخص بدأت في شبرا ووصلت إلى ميدان التحرير وسرعان ما بدأت حملة تمرد فجمعت توقيعات ملايين المصريين من أجل انتخابات رئاسية مبكرة. الموجة الثورية في 30 يونيو ضمت كل أطياف المجتمع المصري وشكلت تحالفا شعبيا عظيما وكانت فرصة ذهبية لتأسيس حكم ديمقراطي حقيقي في مصر ولكن، للأسف، قفز النظام القديم على 30 يونيو تماما كما قفز الإخوان على 25 يناير وتم إقصاء شباب الثورة وتشويه سمعتهم ثم القاؤهم في السجون.. كما ظن الإخوان أن بمقدورهم إقصاء الجميع وحكم مصر إلى الأبد. يظن نظام مبارك الآن أنه قد عاد إلى السلطة ليبقى إلى الأبد وهو يعتمد في ذلك على تخويف المصريين من الفوضى وعلى آلة قمعية جبارة لا تميز الخصوم من الأنصار فهي تسحق كل من لا ينشد المدائح في السيسي و تعتبر كل من اشترك في ثورة يناير عدوا لابد من حبسه أو اغتياله معنويا. الحسابات الخاطئة لنظام السيسي ظهرت بجلاء في أعقاب مذبحة الكنيسة البطرسية. الشبان الأقباط الذين تظاهروا بعد المذبحة هم الذين رأوا زملاءهم يدهسون بالمدرعات في مذبحة ماسبيرو وهم رفاق شهيد الثورة مينا دانيال وقد تخلصوا إلى الأبد من ثقافة الأقلية القبطية المرتعدة التي تحتمي بالسلطة مهما حاق بها من مظالم. إنهم أبناء ثورة يناير ورؤيتهم السياسية تعدت حدود الطائفية إلى المواطنة لكن نظام السيسي لازال يعاملهم بعقلية مبارك التي تعتبر أن الأقباط لا ملجأ لهم إلا حضن النظام مهما عانوا من التمييز والقتل. هذا الوعي الجديد تجلى عندما منع المتظاهرون وزير الداخلية ورئيس الوزراء من دخول الكاتدرائية وطردوا مجموعة من إعلاميي النظام ثم رددوا هتافا يحمل رسالة واضحة للنظام: "مسلم قبطي مش مهم ..نفس القهر ونفس الدم".
رابعا: القمع أم العدل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصر يحكمها الآن مجموعة من جنرالات الأمن تحركهم شهوة الانتقام من شباب ثورة يناير ويسعون لاقناع المصريين بأن الثورة كانت مؤامرة وهذه مساع بائسة لن تجديهم شيئا فالثورة قد صنعها الشعب المصري بكل طوائفه.. الأسوأ من ذلك أن هؤلاء الجنرالات يعتقدون أن القمع وحده كفيل بالقضاء على الإرهاب وهذه فكرة تعيسة أخرى تدل على أن أحدا من هؤلاء الجنرالات لم يقرأ كتابا واحدا في التاريخ فالقمع لا يقضي على الإرهاب وإنما يغذيه لأنه ببساطة يدفع بمزيد من الشباب الساخط إلى أحضان الجماعات الإرهابية. إن العدل والعدل وحده هو الذي يقضي على الإرهاب.
تعازينا إلى أسر الشهداء المصريين الذين فقدناهم في الكنيسة البطرسية ونتمنى أن تكون هذه المجزرة البشعة نقطة تحول يقف فيها نظام السيسي مع نفسه ليدرك أنه يقود البلاد في اتجاه خطأ وخطر سندفع ثمنه جميعا. إن دولة القانون وحدها، بكل ما توفره من حرية وعدالة، هي التي ستقتلع جذور الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق