2012-02-01

بقلم مجدي الجلاد .. تافه.. قزم.. وظالم..!



تأخذنى الدنيا كثيراً.. مثلك تماماً.. خلقنا الله عز وجل كما شاء، ووضع بداخلنا حب الدنيا رغم أنها زائلة.. ولكنه سبحانه غرس فينا عقلاً وضميراً.. عقل يذكرك دائماً بأنك فى رحلة قصيرة.. وضمير يحاسبك كل ليلة، ويسألك: «ماذا قدمت للضعفاء والمظلومين؟!».. ومع ذلك تأخذنا الدنيا.. نتصارع.. نتشاجر.. ونلهث.. تأكل حقى، وأنتقم منك.. تزاحمنى وكأن الأرض على اتساعها لا تستوعبنا سوياً.. أحاول تصفيتك وكأنك تحبس عنى الرزق.. أنا أعمى وأنت بلا قلب.. فكلانا يعيش فى عالمه الضيق، ولا يُجرى «صيانة إنسانية» لذاته..!
كلما أخذتنى الدنيا.. ذهبت إلى حيث تنتهى الدنيا.. إلى بشر مثلى ومثلك يعيشون على حافة الموت.. ليس الموت الذى نعرفه.. الموت عندنا مصيبة، وعندهم خلاص.. المرض لدينا ابتلاء عابر.. ولديهم عجز كامل.. أنا وأنت نقلب الدنيا حين يعطس الابن.. وهم يوارون فلذات الكبد الثرى لأنهم لم يجدوا سريراً فى مستشفى حكومى ردىء..!
أجريت لنفسى وضميرى «صيانة» أمس فى مستشفى أبوالريش للأطفال بقلب القاهرة.. جموع بشرية لا تقوى على عبورها.. الدموع تنساب بين الجدران المتهالكة، والآلام بلا ثمن أو صدى.. اصرخ كما شئت.. اذرف الدمع على ابنك وهو يلفظ أنفاسه.. لن تجد سوى أطباء عاجزين وممرضات يربتن على كتفك.. العين بصيرة والإيد قصيرة.. لا شىء هنا.. الحضانات المتهالكة كاملة العدد.. الجراحات العاجلة للقلوب الصغيرة محدودة العدد.. من أين الصمامات والمستلزمات؟! الميزانية لا تكفى 1500 طفل يومياً.. تبكى الأم بين ذراعىّ: «ابنى بيموت أمام عينى».. ويصرخ الأب العاجز: «أروح ببنتى فين؟.. مش معايا غير 6 جنيه».. أنظر للأطباء فيبادرنى أحدهم: «أنا هنا من الساعة سبعة الصبح، نفسى أعملّهم حاجة.. إحنا عايشين هنا على الإعانات من أصحاب القلوب الرحيمة»..!
أب يمسك بيدى.. يده ترتعش.. ويدى ترتجف: «ذهبت بابنى الصغير إلى مستشفى حكومى.. كان يعانى ضيقاً فى التنفس.. طلب الطبيب أن يعلقوا له محلولاً.. جاءوا بممرضة فأخذت ذراعه الصغيرة لتعليق المحلول.. وبدلاً من وضع السرنجة فى الوريد.. قطعت الوريد.. صرخوا فيها: إنتى إيه مش بتفهمى؟!.. وبمنتهى البساطة.. قالوا لى: معلش يا حاج لازم نبتر إيده.. وكمان مافيش إمكانيات.. روح أبوالريش يبتروا إيد ابنك».. رفع الرجل الغطاء فظهرت اليد التى ماتت.. سوداء مثل قلوبنا.. والده فقير.. على باب الله.. ونحن نتصارع على مكاسب الدنيا وننسى نعمة الله..!
هنا.. سوف تشعر أننا تافهون.. نعم تافهون.. أقزام.. وبلا قلب.. كيف تحيا فى نعيم الدنيا وتطلب «المزيد» كل صباح، بينما لا تجد أم حقنة بـ10 جنيهات لإنقاذ حياة ابنها؟! كيف ننام فى الحرير وملايين يفترشون الصقيع؟! بأى ضمير نغمض أعيننا والدموع تملأ عيون وقلوب الفقراء والمرضى؟! هل تعتقد أن الفقر فى مصر تراه عين الدولة؟! عين الدولة امتلأت بقاذورات الفساد.. فلماذا نغمض أعيننا، وكأن الأمر لا يعنينا؟! الحكومة لا تملك، أو هى لا تشعر ولا تحس.. فلماذا لا نساعد هؤلاء مما منحنا الله عز وجل، أم أن الدنيا سرقتنا مثلما تسرق الأيام عمرنا..؟!
الكلمات لا تكفى لوصف المشاهد.. اذهب بنفسك.. وسوف تؤمن بأننا غافلون.. وأنا أكثركم غفلة..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق